إن المتأمل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتبين له بوضوح أنه قد بالغ في حماية جناب التوحيد أيما مبالغة وحذر وأنذر وتوعد كل من فتح بابًا للشرك
ذلك أن عقيدة التوحيد هي ركن هذا الدين الركين وقطب رحاه الأعظم
ومن ثم كان حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على سد جميع أبواب الشرك وذرائعه .
حرمة اتخاذ القبور مساجد :
ومن هذا الباب نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد بل ووعيده الشديد لكل من فعل ذلك
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا ، فمنها :
1- أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
قالت : فلولا ذلك أبرز قبره غير أن يخشي أن يتخذ مسجدًا . [1]
قال الحافظ ابن حجر :
( وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض
فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى ، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم ) [2]
فعلم بهذا أنه لا يجتمع في شرع الله سبحانه وتعالى مسجد وقبر .
2- وثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس ليال :
( إن أمن الناس عليَّ في صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلًا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلًا
ولكن صاحبكم خليل الله ، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر
إن من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) [3]
3- وفي الصحيحين عنه أنه ذكر له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال :
( إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ، وصورًا فيها تلك التصاوير
أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) [4]
قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " :
( هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى
ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده فتصوير صور الآدميين يحرم وبناء القبور على المساجد بانفراده
يحرم ، كما دلت عليه نصوص أخر يأتي ذكر بعضها ) [5]
4- وفي المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم قال :
( وشرار الناس الذين تدركهم الساعة أحياء ، والذين يتخذون قبورهم مساجد ) [6]
5- وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) [7]
6- وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( اللهم لا تجعل قبري وثنًا ، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) [8]
وقد قال الله تعالى في كتابه عن المشركين من قوم نوح عليه السلام :
{ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } [ نوح : 23 ]
قال مقاتل وغيره من السلف :
( كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم تبع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم
ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها فصورهم ، فلما ماتوا هم وجاء آخرون
قالوا : ليت شعرنا ، هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ؟
فجاءهم الشيطان فقال :
كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر، فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت ) [9]
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ليسد باب الشرك
كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ
والشيطان يقارنها وقت الطلوع ووقت الغروب فتكون في الصلاة حينئذ مشابهة لصلاة المشركين ؛ فسد هذا الباب
شبهة وجوابها :
وبإزاء هذه البراهين الواضحة والحجج النبوية الدامغة فإن هناك من يطلقون بعض الشبهات الواهية
التي يحتجون بها على تبرير مخالفتهم الصريحة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ويحاجون بها عن بنائهم المساجد على أضرحة الأموات .
ومن هذه الشبهات احتجاجهم بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي
مع إطباق الأمة كافة على أفضلية الصلاة في ثاني الحرمين الشريفين .
والجواب على هذه الشبهة كما يلي :
أولاً :
إطباق الأئمة كافة ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة على حرمة اتخاذ القبور مساجد
بالرغم من وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي .
وأعرض فيما يلي نبذا من أقوال أصحاب المذاهب الأربعة في حكم اتخاذ القبور مساجد :
1- مذهب الشافعية أنه كبيرة :-
قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر" :
( الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون :
اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثانًا، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها ) [10]
2- مذهب الحنفية الكراهة التحريمية :
فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه " الآثار" :
( لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجدًا ) [11]
والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم ، كما هو معروف لديهم
قال العلامة ابن الملك من علماء الحنفية :
( إنما حرم اتخاذ المساجد عليها ، لأن الصلاة فيها استنانًا بسنة اليهود ) [12]
3- مذهب المالكية التحريم :-
قال القرطبي في تفسيره بعد أن ذكر الحديث الثالث المتقدم :
( قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ) [13]
4- مذهب الحنابلة التحريم :-
ومذهب الحنابلة التحريم أيضًا كما في " شرح المنتهى " [14] وغيره
بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، ووجوب هدمها
فقال ابن القيم في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد ، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار
الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه ، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه قال :
( ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها وهدمها
كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه ، وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه
لما كان بناؤه ضررًا وتفريقًا بين المؤمنين ، ومأوى للمنافقين ، وكل مكان هذا شأنه
فواجب على الإمام تعطيله إما بهدم أو تحريق ، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له ...
وعلى هذا ،،،
فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد ، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره
فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق
فلو وضعا معًا لم يجز ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد
لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ولعنه من اتخذ القبر مسجدًا أو أوقد عليه سراجًا
فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى ) [15]
فتبين مما نقلناه عن العلماء ،،،
أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة من تحريم بناء المساجد على القبور
وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك أعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم
ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد سئل رحمه الله بما نصه :
هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا ؟
وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط ؟
فأجاب :
الحمد لله ، اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبرٍ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك ) [16]
وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد ، فإن كان المسجد قبل الدفن غُـيِّـر إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدًا
وإن كان المسجد بُنيَ بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر
فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإنه منهي عنه ) [17]
وقال ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " :-
( ويحرم الإسراج على القبور واتخاذ المساجد عليها وبينها
ويتعين إزالتها ولا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين ) [18]
ونقله ابن عروة الحنبلي في " الكواكب الدراري " [19] وأقره .
ثانياً :
أن وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي الشريف وإن كان هو المشاهد اليوم
فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم
فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده
وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد
وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم
والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة
إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجدًا ، كما سبق بيانه في حديث عائشة [20] وغيره .
ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم ،،،
ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي
وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة
فصار القبر بذلك في المسجد [21] ، ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافًا لما توهم بعضهم .
قال العلامة الحافظ محمد ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " :-
( وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك ، بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة
وكان آخرهم موتًا جابر بن عبد الله ، وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين
والوليد تولى سنة ست وثمانين ، وتوفي سنة ست وتسعين ، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك .
وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في " كتاب أخبار المدينة " مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أشياخه عمن حدثوا عنه :-
أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائبًا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين
هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج وماء الذهب
وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه ) [22]
يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة
وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم
قال ابن حجر في شرح حديث عائشة المتقدم : ( قوله : ( لأبرز قبره )
أي : لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته
وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة
حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة ) [23]
فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة
لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه
وهو مخالف أيضًا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ، ولم يدخلا القبر فيه .
ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه ولئن كان مضطرًّا إلى توسيع المسجد
فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة
وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى
ولم يتعرض للحجرة بل قال : ( إنه لا سبيل إليها ) [24]
فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد .
ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين
فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئًا ما فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم
قال النووي في " شرح مسلم " :
( ولما احتاج الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون
وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه
ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
بنوا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور
ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ) [25] .
ونقل الحافظ ابن رجب في " الفتح " [26] نحوه عن القرطبي كما في " الكواكب " [27]
وذكر ابن تيمية في " الجواب الباهر " :
( أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها
وبني عليها حائط آخر صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيدًا وقبره وثنًا ) [28]
ويظهر من هذا أنه لا حجة إطلاقًا لقول من قال بجواز اتخاذ القبور مساجد بناء على وجود قبر النبي
صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي، فإن هذا لم يكن من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فلم يقروه أو يريدوه ، بل حرصوا أشد الحرص على اتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما روي عن أبي بكر رضي الله عنه ، فيما أخرجه ابن زنجويه عن عمر مولى غفرة قال :
لما ائتمروا في دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قائل : ندفنه حيث كان يصلي في مقامه
وقال أبو بكر : معاذ الله أن نجعله وثنًا يعبد
وقال الآخرون : ندفنه في البقيع حيث دفن إخوانه من المهاجرين
قال أبو بكر : إنا نكره أن يخرج قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع
فيعوذ به من الناس مَن لله عليه حق، وحق الله فوق حق رسوله صلى الله عليه وسلم
فإن أخرناه ضيعنا حق الله ، وإن أخفرناه أخفرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا : فما ترى أنت يا أبا بكر ؟
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما قبض الله نبيًّا قط إلا دفن حيث قبض روحه )
قالوا : فأنت والله رضي مقنع ، ثم خطوا حول الفراش خطًّا ثم احتمله عليٌّ والعباس والفضل وأهله
ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش ) [29]
أفضلية المسجد النبوي باقية :
إن أقل أقوال أهل العلم في حكم الصلاة في المساجد التي يوجد بها قبور هو القول بكراهة الصلاة فيها
وهذا يعم كل المساجد كبيرها وصغيرها قديمها وحديثها لعموم الأدلة فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر
إلا المسجد النبوي الشريف لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيءٍ من المساجد على القبور
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) [30]
ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضًا : ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) [31] ، ولغير ذلك من الفضائل .
فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد ورفع هذه الفضائل عنه
وهذا لا يجوز كما هو ظاهر ، قال ابن تيمية في كتابه " الجواب الباهر في زوار المقابر " :
( والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقًا ، بخلاف مسجده صلى الله عليه وسلم
فإن الصلاة فيه بألف صلاة ، فإنه أسس على التقوى وكانت حرمته في حياته صلى الله عليه وسلم
وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه ، وإنما أدخلت بعد انقراض عصر الصحابة ) [32]
ثم قال :
( وكان المسجد قبل دخول الحجرة فيه فاضلًا وكان فضيلة المسجد بأن النبي صلى الله عليه وسلم بناه لنفسه
وللمؤمنين يصلي لله هو والمؤمنون إلى يوم القيامة ، ففضل بنيانه له ، فكيف وقد قال :
( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )[33]
وقد قال :
( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) [33]
وقال :
( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :
المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى ) [34]
وهذه الفضيلة ثابتة له قبل أن يدخل فيه الحجرة ، فلا يجوز أن يظن أنه صار بدخول الحجرة فيه أفضل مما كان
وهم لم يقصدوا دخول الحجرة فيه، وإنما قصدوا توسيعه بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فدخلت الحجرة فيه ضرورة مع كراهة من كره ذلك من السلف ) [35]
ثم قال :
( ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن له فضيلة إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه والمهاجرون والأنصار
وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد بن عبد الملك لما أدخل الحجرة في مسجده
فهذا لا يقوله إلا جاهل مفرط في الجهل أو كافر، فهو مكذب لما جاء عنه مستحق للقتل
وكان الصحابة يدعون في مسجده كما كانوا يدعون في حياته
لم تحدث لهم شريعة غير الشريعة التي علمهم إياها في حياته
بل نهاهم أن يتخذوا قبره عيدًا، أو قبر غيره مسجدًا يصلون فيه لله عز وجل ليسد ذريعة الشرك
فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا، وجزاه أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة
ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ) [36]
[1] متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، (1265)
ومسلم ، كتاب المساجد
باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد ، (1212)
[2] فتح الباري ، ابن حجر، (1/532)
[3] رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، (6320)
[4] متفق عليه
رواه البخاري ، كتاب أبواب المساجد ، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد (417)
ومسلم ، كتاب المساجد
باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (1209)
[5] فتح الباري ، ابن رجب ، (2/404).
[6] رواه أحمد ، (4342) ، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند : حسن لغيره
[7] رواه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه ، (2294)
[8] رواه أحمد ، (7358) ، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند : إسناده قوي
[9] تفسير القرطبي ، (18/308)
[10] الزواجر عن اقتراف الكبائر ، ابن حجر الهيتمي ، (1/120)
[11] الآثار ، محمد بن الحسن الشيباني ، ص (45)
[12] المرقاة، الشيخ القاري، (1/470)
[13] تفسير القرطبي ، (10/38)
[14] شرح المنتهى ، محمد بن أحمد الفتوحي ، (1/353)
[15] زاد المعاد ، ابن القيم ، (3/22)
[16] تقدم تخريجه
[17] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، (1/107 و2/192 و22/195)
[18] الاختيارات العلمية ، ابن تيمية ، ص(52).
[19] الكواكب الدراري، ابن عروة الحنبلي، (2/244).
[20] تقدم تخريجه.
[21]انظر: تاريخ ابن جرير (5/22223)، وتاريخ ابن كثير، (9/7475)
[22] الصارم المنكي ، ابن عبد الهادي ، ص (136)
[23] فتح الباري ، ابن حجر ، (3/200)
[24] انظر: طبقات ابن سعد، (4/21)، وتاريخ دمشق، ابن عساكر، (8/478).
[25] شرح صحيح مسلم، النووي، (5/14).
[26] فتح الباري، ابن حجر، (2/443).
[27] الكواكب الدراري ، للكرماني ، (65/91)
[28] مخطوطة الجواب الباهر ، ابن تيمية ، (ق9/2)
[29] رواه أبو يعلى في مسنده ، (4962) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ، (8/605) :
وفي إسناد أبي يعلى عويد بن أبي عمران وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور ، وقال بعضهم : متروك
[30] متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب أبواب التطوع ، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1133)
ومسلم ، كتاب الحج ، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة ، (3441)
[31] متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب أبواب التطوع ، باب فضل ما بين القبر والمنبر ، (1137)
ومسلم ، كتاب الحج ، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ، (3434)
[32] الجواب الباهر ، ابن تيمية ، (ق22/1-2)
[33] تقدم تخريجه
[34] متفق عليه ، رواه البخاري، كتاب أبواب التطوع ، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1132)
ومسلم ، كتاب الحج ، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، (3450)
[35] الجواب الباهر ، ابن تيمية ، (67/169/2) .
[36] المصدر السابق ، (67/169/2)
كتبه / د.فريد مناع -
موقع الصـوفية
0 comments:
Post a Comment