خطوات دعوية -31- عقبات تعيق الداعية -6- عقبة البواعث
العقبة السادسة وقبل الأخيرة في طريق الدعية هي عقبة البواعث
وهذه العقبة تنقسم إلى قسمين :
الأولى : عدم وجود البواعث
الثانية : عدم استواء البواعث
أولاً : عدم وجود البواعث
عليك أيها الداعية إذا استقام لك الطريق وسهلت السبيل وارتفعت العوائق الالتزام
عليك باستشعار الخوف والرجاء وعدم مجاوزة أحدهما على الآخر
فأما الخوف يجب أن نلتزمه لأمرين :
1- الزجر من المعاصي :
فإن النفس لأمارة بالسوء ، ميالة إلى الشر ، طماحة إلى الفتنة
فلا تنتهي عن ذلك إلا بتخويف عظيم وتهديد بالغ
ويكون بسوط التخويف من الله تعالى قولاً وفعلاً وفكراً
وذلك بتذكر آيات الله تعالى التي تتحدث عن أهوال يوم القيامة
وشدة عذاب في جهنم والتعمق في معانيها وتفسيرها
2- لا يعجب إلا بالطاعات فيهلك :
بل يقمعها بالذم والعيب والنقص بما فيها من الأسوار
والأوزار التي فيها ضروب الأخطاء ونحو ذلك ..
عن الحسن رضي الله عنه كان يقول :
ما يؤمن أحدنا ان يكون قد أصاب ذنباً فطبق باب المغفرة دونه، فهو يعمل في غير معمل
وعن ابن المبارك رحمه الله كان يعاتب نفسه فيقول :
تقولين قول الزاهدين ، وتعملين عمل المنافقين ، وفي الجنة تطمعين !
هيهات هيهات ّ ، إن للجنة قوماً آخرين ، ولهم أعمال غير ما تعملين .
فهذه وأمثالها مما يلزم العبد تذكيرها للنفس وتكريرها عليها لئلا تعجب بطاعة أو تقع في معصية
أما الرجاء فنما يلزمنا استشعاره لأمرين :
1- للبعث على الطاعات :
وذلك أن الخير ثقيل والشيطان عنه زاجر والهوى إلى ضده داع ، وعادة النفس لاترغب بالخير
ولا تنبعث همتها إلا لأمر يقابله وذلك الأمر الرجاء برحمة الله تعالى ونيل جناته وفردوسه وصحبة الحبيب العدنان
وقد قال بعض السلف :
الحزن يمنع عن الطعام ، والخوف يمنع عن الطعام
والخوف يمنع عن الذنوب ، والرجاء يقوي على الطاعات ، وذكر الموت يزهد في الفضول .
2- ليهون علينا احتمال الشدائد والمشقات :
فمن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ، ومن طاب له شيء رغب فيه حق رغبته احتمل شدته
ولم يبال لما يلقى من مؤونته ومن أحب أحداً حق محبته أحب أيضاً احتمال محنته
فإن الجامع للعسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر حلاوة العسل ..
والأجير لا يعبأ بارتقاء الجبل الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار الصائف المديد
لما يتذكر من أخذ درهمين بالعشي ..
فعندما نتذكر الجنة وطيب مقيلها وأنواع نعيمها من قصورها وطعامها وشرابها وحليها وحلله
وسائر ما أعد الله تعالى لأهلها ، هان علينا التعب والمشقة في العبادة ومانجده من أذى في دعوتنا إلى الله تعالى
ما ضر من كانت الفردوس مسكنه **** ماذا تحمل من بؤس وإقتار
تراه يمشي كئيباً خائفاً وجلاً *** إلى المساجد يمشي بين أطمار
يا نفس ما لك من صبر على لهب *** قد حان أن تُقبلي من بعد إدبار
فإن العبودية مدارها أمرين : القيام بالطاعات + الانتهاء عن المعصية
وذلك لا يتم مع النفس الأمارة بالسوء إلا بالترغيب والترهيب
قال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ( السجدة )
مقدمات الخوف أربع :
1- ذكر الذنوب الكثيرة التي سبقت
2- ذكر شدة عقوبة الله تعالى التي لاطاقة لنا بها
3- ذكر ضعف النفس عن تحملها لهذه العقوبة
4- ذكر قدرو الله تعالى علينا متى شاء وكيفما شاء
أما الرجاء فمقدماته :
1- ذكر فضل الله تعالى علينا ونعمه التي ل اتعد ولا تحصى
2- ذكر ماوعد سبحانه وتعالى من جزيل ثوابه وعظيم كرامته على حسب فضله وكرمه دون استحقاقك إياه بالفعل
إذ لو كان على حسب الفعل لكان أقل شيء وأصغر أمر
3- ذكر كثرة نعمه الله عليك في أمر ديننا ودنيانا في الحال من غير استحقاق ولا سؤال
4- ذكر سعة رحمة الله تعالى وسبقها غضبه وأنه الرحمن الرحيم الغني الكريم الرؤوف بعباده المؤمنين
ثانياً : عدم استواء البواعث
فهذه العقبة علينا قطعها بتمام الاحتياط والاحتراز وحد الرعاية ، فإنها دقيقة المسلك خطرة الطريق
وذلك أن طريقها بين مخوفين مهلكين ، أحدهما طريق الأمن ، والثاني : طريق اليأس
وطريق الرجاء والخوف هو طريق العدل بين الطريقين الجائرين :
1- إن غلب الرجاء : نكون قد وقعنا في ( طريق الأمن ) ، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون
فإن طريق الأمن يؤدي إلى التهاون بأوامر الله تعالى والتمييع بالدين وعدم تعظيم الصغائر
بحيث تدعي النفس أن الله تعالى غفور رحيم يغفر الذنب ، وحتى نتجاوز هذا الأمن الذي يورث غضب الله تعالى
علينا أن ندرك أن الله تعالى يغفر الذنب الذي لا يكون عن عمد وقصد ، أما إن كان عن قصد ومعرفة
فيحتاج إلى توبة نصوح أول شروطها الندم والعزم علة الإقلاع عن الذنب
2- إن غلب الخوف : نكون وقعنا في ( طريق اليأس ) ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ..
فنقع في أوحال التشدد والتنطع الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم
ويوصلنا شدة خوفنا الشقاء في العبادة وعدم الشعور بلذة وحلاوة القرب من الله تعالى
3- استواء الرجاء والخوف : وهو سبيل الأولياء الصالحين وأصفيائه
وحال السلف الصالح أتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم طريق العدل بينهما
قال تعالى : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) ( الأنبياء )
أسأل الله تعالى أن يجنبنا عقبة البواعث وأن يتم علينا فضله ومنته
0 comments:
Post a Comment