قصيدة : اغضب ولا تسمع أحد
اغضب
فإن الله لم يخلق شعوبا تستكين
اغضب فإن الأرض تـُحني رأسها للغاضبين
اغضب فإن الريح تذبح سنبلات القمح
تعصف كيفما شاءت بغصن الياسمين
اغضب ستلقىَ الأرض بركانا
ويغدو صوتك الدامى نشيد المُتعبين
اغضب فإن حدائق الزيتون
لا تؤوى كلاب الصيد
لاتنسى دماء الراحلين
الأرض تحزن حين ترتجف النسور
ويحتويها الخوف والحزن الدفين
الأرض تحزن حين يسترخى الرجال
مع النهاية عاجزين
اغضب فإن قوافل الزمن الملوث
تحرق الأحلام
فى عين الصغار الضائعين
اغضب فإن العار يسكـُنـُنا
ويسرق من عيون الناس لون
الفرح يقتـُل فى جوانحنا الحنين
ارفض زمان العهر
والمجد المدنس
تحت أقدام الطغاة المعتدين
اغضب ففى جثث الصغار
سنابل تنمو
وفى الأحشاء ينتفض الجنين
اغضب فإنك إن ركعت اليوم
سوف تظل تركع بعد آلاف السنين
اغضب فإن الناس حولك
نائمون
وكاذبون
وعاهرون
ومنتشون بسكرة العجز المهين
اغضب إذا صليت أو عانقت كعبتك الشريفة
مثل كل المؤمنين
اغضب فإن الله لا يرضى الهوان لأمة
كانت - ورب الناس - خير العالمين
فالله لم يخلق شعوبا تستكين
اغضب إذا لاحت أمامك صورة الكهان
يبتسمون والدنيا خرابٌ
والمدى وطنٌ حزين
ابصـُق على الشاشات
إن لاحت أمامك صورة المُتـنطعين
اغضب إذا لملمت وجهك بين أشلاء الشظايا
وانتزعت الحلم كى يبقى
على وجه الرجال الصامدين
اغضب إذا ارتعدت عيونك
والدماء السود
تجرى فى مآقى الجائعين
اغضب إذا لاحت أمامك أمة مقهورة
خرجت من التاريخ
باعت كل شئ
كل أرض
كل عِرض
كل دين
اغضب ولا تترُك رُفاتك
جيفة سوداء كفنها عويل مُودعِـين
اجعل من الجسد النحيل قذيفة
ترتج أركان الضلال
ويُـشرق الحق المبين
اغضب ولا تسمع احد
اغضب فإنك إن تركت الأرض عارية
يُـضاجعها المقامر والمخنث والعميل
سترى زمان العُـهر يغتصب الصغار
ويـُـفسد الأجيال جيلا
بعد جيل
وترى النهاية أمة
مغلوبة ما بين ليل البطش
والقهر الطويل
ابصق على وجه الرجال
فقد تراخى عزمُهم
واستبدلوا عز الشعوب
بوصمة العجز الذليل
كيف استباح الشرُ أرضك
واستباح العُهر عرضك
واستباح الذئبُ قبرك
واستباحك فى الورى
ظلمُ الطـُغاةِ الطامعين
اغضب إذا شاهدت كـُهَّان العروبة
كل محتال تـَخـفـَّى فى نفق
ورأيت عاصمة الرشيد
رماد ماض يحترق
وتزاحم الكـُهَّان فى الشاشات
جمعهم سيوف من ورق
اغضب كـَـكـُـلِّ السَّاخطين
اغضب فإن مدائن الموتى
تـَضجُّ الآن بالأحياء
ماتواعندما سقطت
خيول الحـُـلم
وانسحقت أمام المعتدين
اغضب إذا لاحت أمامك
صورة الأطفال
فى بغداد
ماتوا جائعين
فالأرض لا تنسى صهيل خيولها
حتى ولو غابت سنين
الأرض تـُـنكر كـُـلَّ فرع عاجز
تـُـلقيهِ فى صمت
تـُـكـفـِّـنـُـه الرياح بلا دموع
أو أنين
الأرض تكره كل قلب جاحد
وتحب عـُـشاق الحياة
وكل عزم لا يلين
فالأرض تركع تحت أقدام الشهيد
وتنحنى وتـُـقبِّـل الدم الجسور
وقد تساقط كالندى
وتسابق الضوءان
ضوء القبر
فى ضوء الجبين
وغداً يكون لنا الخلاص
يكون نصر الله بـُشرى المؤمنين
اغضب فإن جحافل الشر
القديم تـُـطل من خلف السنين
اغضب ولا تسمع سماسرة الشعوب
وباعة الأوهام والمتآمرين
اغضب فإن بداية الأشياء
أولها الغضب ونهاية الأشياء
آخرها الغضب
والأرض أولى بالغضب
سافرت فى كل العصور وما رأيت
سوى العجب
شاهدت أقدار الشعوب
سيوف عارٍ من خشب
ورأيت حربا بالكلام
وبالأغانى والخـُطب
ورأيت من سرق الشعوب
ومن تواطأ من نهب
ورأيت من باع الضمير
ومن تآمر أو هرب
ورأيت كـُهانا بنوا أمجادهم
بين العمالة والكذب
ورأيت من جعلوا الخيانة
قـُدس أقداس العرب
ورأيت تيجان الصفيح
تفوق تيجان الذهب
فاغضب فإن الأرض يـُحييها الغضب
اغضب ولا تسمع أحد
قالوا بأن الأرض شاخت
أجدبت منذ استراح العجز فى أحشائها
نامت ولم تنجب ولد
قالوا بأن رجالها خانوا الأمانة
واستباحوا كل عهد
الأرض تحمل فاتركوها الآن
اغضب ففى أحشائها
سُخط تجاوز كل حد
تـُخفى أساها عن عيون الناس
تـُنكر عجزها
لا تأمنن لسخط بركان خمد
لو أجهضوها ألف عام
سوف يولد من ثراها
كل يوم ألف غد
اغضب ولا تسمع أحد
اسمع أنين الأرض
حين تضم فى أحشائها
عطر الجسد
اسمع ضميرك حين يطويك الظلام
وكل شئ فى الجوانح قد همد
والنائمون على العروش
فحيح طاغوت تجبّر واستبد
لم يبق غير الموت
إما أن تموت فداء أرضك
أو تـُباع لأى وغد
مت فى ثراها
إن للأوطان سرا
ليس يعرفه أحد
إن تنصروا الرحمن ينصركم
وهذا ما وعد
هذا ما وعد
_____________________________________
قصيدة : اغضب ولا تسمع أحد - لفاروق جويدة
0 comments:
Post a Comment